mardi 27 novembre 2012

دعوة للتفكير الجماعي :فسح المجال لبناء قاعدي نقيض للهرمية السلطوية كاجابة لتطلعات المفقرين


في كل مرة ألاحظ اجتهادات من بعض المهتمين بالوضع التونسي تلامس الحقيقة ولكن لا تقر بها صراحة وهذا أيضا يتبع الاليات القديمة للقرن الفائت بما فيها التشكل في حزب ما جديد أو محدث هو حزب وله مقومات الفكر القديم من مركزة و وكالة على الاخر بحرمان الفرد من أن يكون مواطنا مشاركا ومقررا ومسؤول بل تدفنه في قبر التواكل والااتمار ...و ان ناد الأحرار منذ انطلاق الحراك باعادة هندسة لمنظومة السلط
العامة من المحلي الى المركزي من الوصايا المركزية الى تأسيس التسيير الذاتي فان ذلك ليس تشبها بالفيدرالية فهي أيضا هندسة قديمة تعتمد توزيع الصلاحيات أما البناء القاعدي فهو القائم على التقاسم ثم التقاسم ثم التقاسم وهذا ترجمة على الطبيعة الاجتماعية للحراك الثوري الذي استشهد أبناؤنا من أجله فالبناء القاعدي هو الذي سيفسح المجال للأبناء الشرعيين من الاحياء الشعبية والجهات المحرومة من التمثل في أدوار تسيير السلط العامة من أضيق الدوائر القاعدية الىالتنسيق مع الجهة الى الانجاز مركزيا ما تم برمجته من الأصحاب المباشرين للشأن العام بهذا فقط يمكن انتظار ابداعا في خلق مجالات حياة كريمة وأساسا في المعضلة الاجتماعية بالكشف عن المناحي المظلمة في اقتصاد النهب السائد واتخاذ منهج الاقتصاد التضامني أما في حالة الانتظارية هذه أو الحديث عن القائمين على السلطة المخصية من شركات النهب ومعارضتها الجالسة في الكرسي الاحتياطي لخدمة نفس هذه الشركات وحراسة أرباحها فان كل الهرج والمرج لأكذوبة التداول الديمقراطي على السلطة أيضا قديم لانه لن يفتح سبيل العيش الكريم للمفقرين وسيبقي التفقير جاثما على اهالينا وهو في تزايد ان هندسة لا تهيكل من أجل دحر التفقير والمتسببين فيه من المافيا العالمية ووكلائها المحليين لن تفيد التاريخ الحالي والاتي ...على كل أنا مؤمنة أننا في مسار ثوري وان المشهد السياسي ميت لمحالة فهو بال ولن يجيب عن همومنا وان تعطل المسار الثوري بفعل المؤامرات المتوالدة من جهلة القوم محليا ومن مكاتب مجابرات المأمورة من شركات النهب العالمية فان النصر ات من المهمشين والى المهمشين وليس في تونس فقط بل سيعم العالم ولنكن متواضعين خاصة لمن لهم وهم الاستقرار المادي لان ان معركة المفقرين هذه المرة سيقودها المفقرون انفسهم لا وكلاء لهم
ولن يختاروا الانتماء الحزبي بأي شكل لان حدسهم الثوري النابع من الحاحية استحقاقاتهم الواقعية يجعلهم مدركين ان عصرا جديدا لاح وبان هو عصر الحريات الانسانية لا السياسية وسينتجون من واقعهم طريق التشكل القاعدي الذي يؤمن لهم السيادة على مصيرهم ولن تكون للهيئات القائمة سابقا وحاصرا نواة او داعمة لمسار ثورتهم الاجتماعية وما على المنحازين لمن هم تحت إلا ان يتسلحوا بنكران الذات وينغمسوا في اوساط اهاليهم اي المجتمع الاهلي لا المجتمع المدني الفوقي فهناك البرنامج الجديد لقيام اسلوب تنظم وتعاطي مع الشأن العام لم يكتب سابقا وليس 
 بالمجالسي ولا بالحزبي انه شيء جديد قادم فلنفسح له المجال

 سنية شربطي 

حدث المعطل قال الجزء الثاني

و إما أن يكون حزبا لا علاقة له بالدين أو أنه غير مبادئه أو لعله قرائاته لنفسه و لمفهوم الدين لأن حزب النهضة 2011 ليس ذاته الإتجاه الأسلامي أواسط الثمانينات وشخصيا أجد فرقا كبيرا بين هذا الحزب و الأحزاب اللبرالية الأخرى بل أن الأحزاب الوسطية أكثر تطبيقا لما جاء في الشريعة في عدة مجالات فحرموا وجرموا التطبيع مع إسرائيل و يرفضون التعامل مع الغرب الكافر المستعمر إن الحديث في هذا الباب طويل و قد يستعصي الإلمام به فقط يشار إليه و نترك لأهل الإختصاص إثبات قولنا أو دحضه بالحجة الدامغة و الدليل القاطع .
و لما كانت الثورة التونسية ثورة حرية و كرامة , بعد أن عانى الشعب عقودا من الدكتاتورية و الإستبداد فقمع اليسار و اليمين و الحاكم الجديد عانى كثيرا من الإستبداد لأنه قال ذات يوم "لا" للظلم , لا للإستبداد و اليوم عندما تقول كلمة حق في هذه الحكومة فإنك تنعت باليساري و التجمعي و الخائن و المرتد نحن نريد حكومة قوية لا حكومة دكتاتورية نريد حكومة شعبية لا حكومة بيروقراطية حكومة وطنية لا حكومة أجنبية فالحكومة الدكتاتورية الأمنية ستعيد الدساترة للواجهة مثلما نريد معارضة بذات الصفات  لنجمع بداية على الإقرار بأن حكومتنا هي حكومة هاوية مازالت تتدرب على العمل السياسي و لم تحذقه و لنجمع أيضا على أن المعارضة لا تحذق دور المعرضة و تحاول أن تغطي فشلها الإنتخابي و غرورها السياسي بمسائل هامشية لا تفيد الشعب في شيء و تحاول أن توجههه إلى معركة تقود إلى الوراء النقاب و دور المرأة إن الذي وصلت إليه تونس من مكاسب هو إنجاز شعبي و يجب أن نحافظ عليه و نعدل السلبي فيه و هو أمر لم تجد حكومتنا المنتخبة الجرأة على الإصداع به رغم وجود التقارير الأمنية لعل عذرها الوحيد إرساء السلم الإجتماعي و أن مصلحة الوطن فوق كل المصالح....
 رغم ذلك سأحاول قرائة أداء الحكومة الذي قلت عنه منذ البداية أنه رديىء . فلو أخذنا ملف التشغيل و البطالة و هو الملف الذي يهمني و يهم آلا ف التونسيين و قد قامت عليه الثورة في 17 ديسمبر 2010 فإننا نجد حكومتنا لم تحسن التعامل معه و لن تفلح مادام السيد وزير المالية أنه إن تحسنت الفلاحة و السياحة قد نصل إلى معدل تنمية 3.5 بالمائة و هو رقم ضعيف و لا يحقق طموحات الشعب .
أيضا أن أسأل الحكومة , كم عدد العاطلين عن العمل في تونس حكومتنا لا تعرف بالضبط كم عددهم مرة يقولون 500 ألف و مرة 800 ألف في حين أن الرقم التقريبي الصحيح 660 ألف و الرقم مرشح للإرتفاع يتخرج دفعات 2012 .
و الحكومة لم تقم بأي إجراء وقائي يوقف نزيف الإرتفاع المشط و أساسا بطالة أصحاب الشهائد و كان عليها البحث في أسباب الإرتفاع.
وشخصيا أعتقد جازما أن السيد الرئيسي هو التباين بين سوق الشغل و ما تفرزه المنظومة التربوية فهناك تسيب و عشوائية في هذه المنظومة عدد المتخرجين من الجامعة أكثر من حاجيات السوق لهذا كانت أوكد الإجراءات إصلاح التعليم , نقول و نحن على يقين أن عملية الإصلاح نأخذ وقتا كبيرا , يتجاوز حتى وجود هذه الحكومة الوقتية لكن هناك إجراءات إستعاجالية لا بد من القيام بها الآن , أليس إلغاء النجاح الآلي ضرورة  أليس إلغاء 25 بالمائة في الباكالوريا ضرورة , أليس تغيير آليات التعليم قبيل منتصف الثمانينات و ما هو عليه الآن :
نسبة الإنتقال من الثانوي إلى العالي = 40 - 45 بالمائة 
100 - إبتدائي - 30 ثانوي - 5 عالي 
60 بالمائة يد عاملة بسيطة 10-20بالمائة تقنيين - 10 إطارات عليا
هذه الإجراءات ستقلص حتما من نسبة الإنتقال من مستوى إلى آخر من 10 - 15 بالمائة أو ربما أكثر بقليل و بالتالي تربح سوق الشغل تقريبا 15 ألف في السنة الأولى
رفيق رحالي معطل عن العمل 

vendredi 23 novembre 2012

حدث المعطل قال

رغم دأبي الشديد على الكتابة و لو لنفسي إلا أني أقسمت بأغلظ الأيمان و أوكدها أن أهجرها الهجر الجميل و أن أطلقها بأبغض الحلال عند الله بعد أن تزوجتها ذات عام زواج المكره ... لكن حدث الذي أعادني إليها , قد يكون الحنين للحب الأول , أو لعله الإنصياع لسلطان القلب , أو ربما الإدمان على العادة ...
فعلا أعود إليها و ما أتعسني فقد دخلت منذ أيام إلى محل من المحلات التجارية فوجدت من فيه من صاحب المحل و زبائنه يتحدثون في أمر السياسة اليوم و ما أن دلفت إلى الداخل حتى سألني من يعرفني منهم قائلا : "ماذا تقول في أداء الحكومة "
فرددت دون إطالة تفكير : " أداء رديئ "
فردو قائلين : أنت ضد الحكومة
فتعجبت الرد و حرت الجواب بل أردفني أحدهم قائلا : أنت من اليسار
فزمجرت قائلا : "لايهمني لا اليسار و لا اليمين "
قلت محاولا إعمال فكري : هذه الحكومة لم تقم بأي شئ يذكر
قال أحدهم : و ما أدراك
قلت : قلت ليس لها برامج و لا آليات عمل
فقال : و هل تركتموها تعمل الكل يضع عصاه الغليظة في عجلة الحكومة لأنها حكومة الدين , الكفار الهمليون , اليسار الملحد
قالها بإنفعال شديد قول الواثق من نفسه فكدت أصدقه و أكذب نفسي  .... لهذا أخذت قلمي علني أجلو غشاوة عن لبس في الفهم
أقول بدءا لمن يقرأ ما أكتب أني لا أدافع عن فكر سياسي معين فأنا المستقل فعلا و إن شابه فكري بعض الأفكار السياسية .
الحكومة التي تسير هي حكومة ديمقراطية هي حكومة الإنتخابات النزيهة و هي أيضا حكومة الإنتخاب العاطفي فمن صوت لحزب حركة النهضة هو متعاطف مع النهضويين الذين دخلوا السجن ذات سنين و نالوا شتى أنواع التعذيب و التهجير و صوت أيضا لحزب قال عن نفسه أنه حزب إسلامي قوامه شرع الله , كتاب الله و سنة نبيه أو هكذا يعتقد عامة الناس..
و من صوت للمؤتمر صوت لرئيس هذا الحزب , فهذا الرجل ما عهدنا فيه غير الصدق و ما ألفنا عنه غير الثبات على المواقف و لم يتراجع يوما عما آمن به و كان أيضا رمزا للرجل المثقف البسيط المتواضع ولعل فكر و مرجعية المؤتمر لا يفقهها حتى المنتسبين لحزب المؤتمر ذاتهم.
أعود فأقول  أن حزب النهضة حزب إسلامي هو المفروض يأخذ تعاليم الإسلام قرآنا و سنة لكن عندما ترى قيادات نهضوية نسوية وهو أصل في الإسلام أو عندما ترى قيادات رجالية تقصر لحاها و إعفاء اللحية أصل في الإسلام أو عندما تسمع أهل السياسة النهضويين يقولون أن القرآن سيكون مصدر من مصادر التشريع و أن الدولة المدنية توجب عليهم ترك ما وجد في النص القرآني فإنك تشكك فعلا   في المسمى حزب حركة النهضة و أنا أتعجب كل العجب كيف لحزب أن يترك القرآن و يبحث عن مصدر آخر من مصادر التشريع و المسألة عندي تتلخص في أمرين لا ثالث لهما :
إما أن يكون أصحاب هذا الحزب يتحايلون على الناس لأنهم يعلمون صعوبة تطبيق الإسلام في مجمع تونسي غزته الحداثة الغربية و إن ثباتهم على إسلامية حزبهم و تطبيق ما جاء في النص القرآني يخسرون جاها سياسيا لذلك قالو عن أنفسهم أنهم ينتمون للإسلام الوسطي و هو الإسلام الذي يسوق له الغرب . إسلام يسهل عملية التواصل مع الغرب . إسلام يدعو للتسامح مع الديانات و أساسا اليهودية و بالتالي فكر جديد يحترم الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين .
الغرب يمتدح حزب النهضة و قياداته و أمريكا أيضا تمتدحهم و تقول على فكر النهضة أنه فكر نير متطور. و هو الإسلام الذي تريده أمريكا و أنا أسأل بكل عفوية لماذا لم تمجد أمريكا إسلام تنظيم القاعدة ؟؟؟؟
أليس فكر تنظيم القاعدة فكر إسلامي؟؟؟؟ أو الفكر الإسلامي لحركة حماس و الحركات الإسلامية الأخرى ؟؟؟؟
أليس فكرا إسلاميا و أتسائل أيضا بكل عفوية لماذا تمجد الباترونة الجديدة قطر فكر النهضة وهي تحتوي على أكبر قاعدة أمريكية و على أكبر تمثيل ديبلوماسي إسرائيلي ؟؟؟؟

رفيق رحالي 
معطل عن العمل 

mercredi 14 novembre 2012

من عاطل عن العمل إلى السيد الوزير الأول



من عاطل عن العمل إلى السيد الوزير الأول
*****************************
-
-
-
-
-
سيدي الوزير الأول في الحكومة الإنتقالية -عجّل الله إنتقالها-

سأستغني عن كل المقدمات البروتوكولية و أدخل مباشرة في صلب الموضوع إحتراما لوقتكم الثمين.

سيدي الوزير الأول لقد لاحظت بكل أسف و خيبة أمل أنكم لا تولون قضية البطالة أي أهمية تذكر ما عدا بعض الإشارات في خطبكم و كلماتكم التي تتوجّهون بها إلى الشعب لذلك أردت تذكيركم ببعض نقاط التشابه التي تجمعنا لعلّكم تشعرون ولو قليلا بما نشعر به نحن:

سمعت ذات مرة الشيخ راشد الغنوشي يقول أن البشرية لم تخترع شيئا أسوأ من السجون التي تدمّر الإنسان من الداخل و تحطّمه و قد قضّيت أنت نفسك أكثر من 16 سنة في السجن.للأسف هناك ما هو أسوأ بكثير من السجن وهي البطالة التي تنسف كيان الإنسان و تدكّ معنوياته دكا و تجعله يحسّ أنه بلا قيمة و بلا فائدة و ربما قاده ذلك للتفكير في الإنتحار. أنت دخلت السجن بعد نضال مرير مع السلطة الحاكمة و نحن دخلنا البطالة بعد مجهود جبار على مقاعد الدراسة و كان مصيرنا واحد وهو الألم مع فارق بسيط وهو أنكم كنتم تتوقّعون بطش النظام و قمعه أما نحن فحرّكتنا أحلام وردية و طموحات تحطّمت على صخرة الواقع. أنت تحدثت عن إعتقالك و سجنك الصحف و النشريات أما نحن فرقم من جملة أرقام تذكرها عرضا وزارة التشغيل أو مقالات الصفحات الإقتصادية.أنت دخلت السجن بسبب إنتمائك السياسي (لحركة النهضة) و نحن لم ندخل عالم الشغل بسبب عدم إنتمائنا السياسي (لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي أو وزارة تشغيل المعارف و " الناس اللي لينا"). فترة السجن محدّدة بمدة زمنية معيّنة حسب الحكم القضائي أما البطالة فهي غير محدّدة الأجل قد تكون يوما و قد تطول أعواما و هو ما يجعلك في توتّر دائم و قلق متواصل و حيرة لا تزول و حياة لا تطاق.السجن هو مقبرة الأحياء و البطالة هي مقبرة الكفاءات.السجن هو أن تحرم من حريتك وهو تقريبا نفس الأمر بالنسبة للبطالة فأي حرية يتحدث عنها من لا يملك قوت يومه و أي كرامة ينشدها من لا يستطيع الإنفاق على نفسه.. أنت أهانك رجال الأمن في السجن و عاملوك بأقصى درجات الوحشية و البشاعة و نحن أهاننا رجال الأعمال إستخفوا بنا و كانوا فينا من الزاهدين فقبلنا منهم عملا وقتيا بثمن بخس دراهم معدودات . أنت أحسست بالغربة في السجن و نحن أحسسنا بالغربة في منازلنا و بين أهلنا.أنت حرمت من العائلة بسبب الزنزانة و نحن حرمنا من تكوين عائلة بسبب البطالة و الفقر و إنعدام الآفاق.أنت حرمت من الدواء في السجن بسبب نكاية النظام في معارضيه أما نحن فحرمنا من الدواء بسبب إنعدام التغطية الإجتماعية و الصحية للعاطلين عن العمل.

عانيت بعد خروجك سيدي الوزير من المراقبة الإدارية و محاصرة البوليس أما نحن فنعاني من مراقبة كل المجتمع لنا..نشعر أن عيونهم تراقبنا في حلّنا و ترحالنا و لسان حالهم يقول هل وجدوا عملا أم لا؟ هناك ما هو أكثر إيلاما من المراقبة وهو أن ترى إحساس الشفقة في عيون من حولك فتحسّ بالعجز و القهر.

لقد أزيح بورقيبة و هرب بن علي و رحل الباجي و جئت أنت و نحن واقفون مكاننا لا عمل و لا شغل و لا حياة...الوجوه تتغير أما النظام فباق هو نفسه نظام رأسمالي وحشي يدوس الفقراء و لا يراعي سوى مصلحة الأثرياء و المترفين.

سيدي الوزير الأول حمادي الجبالي إذا عثرت بغلة في العراق فسيسأل عنها عمر بن الخطاب و إذا إنتحر عاطل عن العمل في تونس فتسأل عنه أنت.

 صوت المعطلين الأحرار

jeudi 8 novembre 2012

إنها دمشق من المولع بأمجاد ولت الثائر أبدا ....


إنها دمشق
( كما يوصفها الشاعر والاديب العراقي مظفر النواب )
شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة،
غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي
ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله خرافي لحضارات شنقت نفسها على
أبوابها.
إنها دمشق الأقدم ولأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،"أنى تهطلي خيرك لي "
بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.
إنها دمشق التي تحملت الجميع، قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين
ومقيمين، مدمني عضها مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين...
رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة،
أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها،
ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها
ومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.
إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربة قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح
لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي
الدين بن عربي ،هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته
حياً من أحيائها فغنى لها " كل ما لا يؤنث لا يعول عليه"
إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي
على شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ
ابن عساكر قليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في
المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها
دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.
دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب
موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي
رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على طريقة دمشق.
إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة تركت عشاقها
خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين
ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.
لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.
لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم. من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس .
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق الملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.
ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط "
المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما
يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل
ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.
لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز،
الكل يلهثُ يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في
أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشي
الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة
أهلي وزملكاوي ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثل لندن شرق وغرب
نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّان
فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....
دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية وإذا
أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة وإن أضعت طريق الجامع الأموي ، ستدلك عليه " كنيسة السيدة "
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها
ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو
تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة.
فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة" الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع :
(إنها دمشق )