إرنستو تشي جيفارا دي لا سيرنا..المعروف بـ (تشي جيفارا) أو (التشي)..ولد فى 14 يونيو 1928 وتوفى فى 6 اكتوبر 1969 بقرية (لا هيجويرا) البوليفية..اشتهر بالصورة التى التقطها له المصور الكوبي الشهير (البيرتو كوردا) والتي اختيرت كأشهر صورة فى القرن العشرين.
البداية
ولد جيفارا فى 14 يونيو 1928 بروزاريو الارجنتينية وكان الابن الاكبر بين خمسة ابناء لأسرة ذات اصول اسبانية (باسكية) وايرلندية مشتركة..رغم هذا تزعم بعض المصادر أن التاريخ الحقيقى هو 14 مايو وأن تغيره كان بسبب فضيحة اخلاقية لوالدته حيث كانت حاملا بالشهر الثالث عند زواجها.تحكى المصادر ان جده الاكبر (باتريك لاينتش) ولد بمدينة جالواى الايرلندية عام 1715 وهاجر منها لبلباو الاسبانية ومنها للارجنتين وهذا ما يفسر الاصول المختلطة..جد جيفارا هو (فرانشسكو لاينتش) الذى ولد عام 1817 وجدته (أنا لاينتش) ولدت عام 1861..اما والده (إرنستو جيفارا لاينتش) فقد ولد عام 1900 وتزوج من والدته (سيليا دى لا سيرنا) عام 1927 وبعدها بعام جاء جيفارا للوجود.كانت أسرة جيفارا أسرة ثرية..عرف هو فيها بالنشاط والنزعة السياسية..ورغم اصابته المبكرة بالربو والذى ظل ملازما له طوال حياته إلا أنه برع فى الرياضة وخصوصا الرجبي وأطلق عليه وقتها Fuser وهى اختصار لكلمة El Furibundo Serna وكان سبب التسمية اسلوبه العنيف فى اللعب..فى عام 1948 التحق جيفارا بجامعة بيونس ايريس لدراسة الطب وتخرج عام 1953 ليصبح طبيبا..وان كانت بعض المصادر تزعم انه فشل فى دراسته وانه لا يوجد أى دليل مادي على حصوله على درجة علمية فى الطب.أثناء سنوات الجامعة أقترح عليه صديقة المقرب (البرتو جراندو) ان يتوقفا عن الدراسة لمدة عام ليقوما بالرحلة التى حلموا بها طويلا حول امريكا اللاتينية..وبالفعل نفذا الفكرة عام 1952 على متن دراجة بخارية طراز Norton 500 cc موديل 1939 عرفت بعدها الدراجة باسم La Poderosa II ومعناه (الفتاة العظيمة الثانية) وخلال الرحلة تطوعا لبضعة اسابيع للعمل بمستعمرة جذام ببيرو..وقد كتب جيفارا مذكراته خلال الرحلة تحت عنوان Diarios de Motocicleta (مذكرات دراجة بخارية) وقد ترجمت المذكرات عام 1996 وتحولت فى 2004 لفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم.كانت هذه الرحلة نقطة تحول هامة فى حياة جيفارا حيث عايش فيها الفقر والظلم المنتشر فى انحاء القارة اللاتينية وآمن بان الخلاص منهما لن يأت إلا بالثورة..كما شكلت هذه الفترة ايمانه بانعدام الفروق بين الشعوب وحلم بفكرة الوحدة الايبيرو - امريكية Ibero-America وتعنى وحدة الشعوب الامريكية التى كانت محتلة من قبل اسبانيا والبرتغال لتماثل الاحوال والطباع والثقافات..وهى الفكرة التى ستظهر بشدة فى مراحل عمره التالية.بعد أن عاد جيفارا من رحلته للارجنتين انهى دراسته الجامعية بأسرع شكل ممكن حتى يتسنى له مواصله رحلاته بين الدول التى ستستمر حتى نهاية حياته
بمجرد ان انهى جيفارا دراسته الجامعية عام 1953 توجه إلى جواتيمالا ليعمل تحت إمرة الرئيس (جاكوبو اربينز جوزمان) ونظامه اليساري الذي كان يحلم بتطوير جواتيمالا وإعادة استصلاح أراضيها وتنميتها اقتصاديا..وخلال تلك الفترة اكتسب جيفارا لقبه الاشهر تشي (Che) والتى يصعب ترجمتها للعربية فهى كلمة تطلق على المواطن الارجنتينى بشكل عام تماما كما يطلق على الجندي الانجليزي (جوني) والألماني (فريتز)..تعرف جيفارا على هيلدا جاديا السياسية الشهيرة واحدى اعضاء حزب APRA البيروفى التحررى وقدمته هى لكبار رجال الدولة فى جواتيمالا..تعرف ايضا على بعض المنشقين الكوبيين ومنهم انتونيو نيكو لوبيز ..وعلى دكتور بينالافير (اخصائي الملاريا الفنزويلي الشهير)..وكانت حالته المادية غير جيدة بهذه الفترة فاستعار بعض حلي هيلدا جاديا ليبيعها ويعيش بثمنها.وفى 15 مايو 1954 وصلت لسواحل السلفادور شحنة مكونة من 2000طن من الاسلحة قادمة من تشيكوسلوفاكيا لحساب حكومة اربينز فتوجه جيفارا للسلفادور لتسلم الشحنة وجلبها لجواتيمالا وخلال عودته على متن القطار بصحبة الشحنة قامت المليشيات المسلحة بقيادة كارلوس كاستللو ارماس بمعاونة المخابرات الامريكية بإسقاط نظام اربينز وتولي السلطة فى جواتيمالا فعاد جيفارا وانضم لميليشيا مسلحة بمشاركة بعض شباب الشيوعيين لمواجهة نظام ارماس فواجههم عسكريا لعدة ايام ثم تولى المهام الطبية حتى بلغه نبأ اعتقال هيلدا جاديا فقام باللجوء للسفارة الارجنتينية وبقى فيها محاولا التطوع فى جبهة اربينز حتى طلب الاخير من الاجانب العودة لبلادهم فغادر تشى جواتيمالا.شكلت هذه المرحلة صورة الولايات المتحدة فى ذهن جيفارا بأنها القوة الامبريالية الكاسحة التى تسعى بكل جهدها لإحباط اى نشاط تقدمي فى الدول النامية وخاصة الدول اللاتينية وجعله هذا يؤمن بأن الاشتراكية هى العلاج الوحيد لكل هذه المشاكل..وظل ثابتا على هذه القناعات حتى اخر ايامه.
كوبا
توجه جيفارا الى المكسيك وفيها قابل صديقه عمره فيدل كاسترو وشقيقه راؤل كاسترو ومعهم عدد من المنشقين الكوبيين الذين فروا من كوبا بعد فشل محاولة هجومهم على Moncada barracks كمحاولة للاطاحة بالديكتاتور باتيستا Fulgencio Batista وكانا يستعدان فى تلك الفترة للعودة لبلادهم وإعادة المحاولة من جديد..امن جيفارا بهدف الاخوين كاسترو وانضم إلي حركتهما التى اطلقوا عليها (حركة 26 يوليو) نسبة لتاريخ تنفيذ عملية Moncada barracks..وفى نوفمبر 1956 ابحر حوالى 82 شخص هم كل اعضاء الحركة (كان جيفارا الاجنبي الوحيد بينهم) نحو كوبا على متن اليخت Granma (الجدة) ووصلوا لسواحل كوبا فى 2 ديسمبر..ولم تكن البداية مبشرة على الاطلاق فقد استقبلتهم طائرات باتيستا بالنيران التى اجهزت على معظمهم فلم يتبق سوى 15-20 منهم على قيد الحياة (الرقم غير محدد تاريخيا)..وأثناء هروبهم وفى مزرعة قصب بـ (اليجريا دي بيو) كانت لحظة حاسمة فى حياة تشي حين تخلى عن صندوق المعونات الطبية الذى يحمله بصفته طبيب المجموعة ليحمل بدلا منه صندوق ذخيرة ليترك جيفارا الطبيب فى المزرعة من أجل جيفارا المقاتل..تسعة أيام متواصلة من المشي دون أى مصدر للطعام سارها الثوار بعدما هربوا من كمين باتيستا الى جبال سيرا مايسترا Sierra Maestra لتنطلق حركتهم الثورية معتمدين على 22 بندقية هي كل ما يملكون وإيمان كامل بقضيتهم وحب ومساندة الشعب الكوبي الذي وجد فيهم الخلاص من الطاغية..مع كل معركة تزيد ذخيرتهم ويزيد تعلق الناس بهم..استولوا على معسكر اوفيرتو الهام فى 1957 بعد معركة عنيفة..وردت قوات باتيستا بقوة فى لاس مرسيدس واستمر القتال مشتعل حتى بلغت خسائر باتيستا 10 الاف مقاتل و600 قطعة سلاح منها دبابة سليمة..خلال هذه المعارك يصبح جيفارا أحد أهم قواد الثوار Comandante كما يطلق عليهم..فى منتصف 1958 يعلن الحزب الشيوعي الكوبي تأييده للثوار فى ضربة قاسية لباتيستا ويتعاظم تفوق كاسترو ورفاقه حتى جاءت الضربة القاضية فى ديسمبر 1958 بمعركة سانتا كلارا Santa Clara التى اجهزت على نفوذ باتيستا ليهرب فى 1 يناير 1959 لجمهورية الدومينيكان تاركا الحكم لشباب الثوار الذين حققوا معجزة لم يتخيل أحد ان تحدث فى حوالي عامين..فيما بعد يكتب جيفارا عن حرب العصابات ويقول "اعتقد ان نواة صلبة تضم 30-50 رجلا إذا توافرت لهم الارض الصالحة للعمل تستطيع ان تبدأ ثورة مسلحة في أى بلد لاتيني".فى 7 فبراير 1959 تمنح الحكومة الكوبية الجنسية لجيفارا مكافأة لما قدمه للثورة..وفى 2 يونيو 1959 يتزوج من إليديا مارش التي ستنجب له فيما بعد 4 أبناء..ويتطور نفوذ جيفارا ليصبح الرجل الثاني فى كوبا فهو وزير الصناعة والمتحدث الرسمي ومدير البنك الوطنى (كان يوقع اوراق العملة باسم الشهرة Che) والمسئول عن كشف المتآمرين وعقاب بقايا نظام باتيستا..وكان له دور كبير فى تزويد كوبا بالرؤوس النووية السوفيتية الموجهة صوب مدن الولايات المتحدة والتي اثارت فيما بعد احد أهم مشاكل الحرب الباردة..فى خلال هذه الفترة ألف جيفارا عدة كتب عن نظريات الاشتراكية وأساليب حرب العصابات كان أهمها El socialismo y el hombre en Cuba (الرجل والاشتراكية فى كوبا) والذي بشر فيه بالإنسان الجديد Hombre Nuevo الساعي لرفض الظلم والقهر في أى مكان بالأرض دون التزام بوطن..وكأنه كان يحكي قصة حياته السابقة والآتية والتى كانت سلسلة من الصراعات ضد القهر والظلم كانت كلها (ويا للعجب) بعيدة عن وطنه الارجنتين.
الاختفاء
فى ديسمبر 1964 توجه جيفارا على رأس وفد كوبي الى نيويورك ليتحدث فى الامم المتحدة فأدهش العالم بزيه العسكرى ولحيته النامية والسيجار الذى قطعه نصفين على المنصة ليحتفظ بنصف ويدخن الاخر ثم يهاجم الولايات المتحدة بقوة وهو على أرضها.. بعدها يقوم بجولة عالمية استمرت ثلاثة اشهر زار فيها الصين ومصر والجزائر وغانا وغينيا ومالى وداهومى (بنين حاليا) والكونغو برازافيل وتنزانيا مع توقفات فى ايرلندا وباريس وبراج..وبتاريخ 24 فبراير 1965 فى الجزائر كان اخر ظهور لجيفارا على الساحة السياسية الدولية عندما ألقى خطاب فى (المؤتمر الاقتصادى الافرواسيوى الثانى) قال فيه "لا يوجد صفوف أمامية وخلفية عند مواجهة الموت..فلا نستطيع ان نقول اننا نختلف عن أى مكان فى العالم..أى انتصار لدولة على الامبريالية هو انتصار لنا كما ان اى هزيمة هى هزيمة لنا" وأدهش الجميع بقوله "على الدول الاشتراكية واجب اخلاقى فى ان توحد جهودها ضد دول الغرب المستغلة".ثم عاد لكوبا فى 14 مارس ليلقى استقبالا رسميا من كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الاخوان فيدل وراؤول كاسترو..وتعود الامور لطبيعتها لمدة بسيطة حتى يصحو العالم فى ابريل 1965 على مفاجأة هى اختفاء جيفارا من كوبا تماما دون ان يعرف احد مكانه وهو أمر بمنتهى الغرابة قياسا لكونه الرجل الثانى فى الحكومة..بدأ الجميع فى محاولة فهم سبب هذا الاختفاء البعض قال ان السبب هو فشل جيفارا فى تحقيق البرنامج الصناعى الذى وضعه..والبعض فسره بضغوط سوفيتية على كاسترو لعزله بسبب التقارب الشديد الذى اظهره للصين على حساب روسيا فى وقت كانت العلاقات متوترة للغاية بين البلدين..والبعض الاخر زعم ان كاسترو خاف من نفوذ جيفارا وشعبيته المتزايدين على مقعد الرئاسة
فأطاح به من كوبا..
والحقيقة ان التفسير الثانى كان الاقرب للصحة وقتها حيث كان اقتصاد كوبا يعتمد بشكل شبه كامل على الاتحاد السوفيتى بينما كان جيفارا العدو الاول لهم فى كوبا بعدما قاموا بسحب الرؤوس النووية دون مشاورة كاسترو وهو الامر الذى اعتبره تشي اكبر دليل على خيانة روسيا وسعيها نحو مصالحها بغض النظر عن مصالح كوبا..فى نفس الوقت تبنى تجربة الصين الاقتصادية وسعى لتطبيقها فى كوبا وكان من اكبر الدعاة لمبادئ الزعيم (ماو تسى تونج)..واستجابة للضغوط العالمية لمعرفة مكان جيفارا اعلن كاسترو فى مؤتمر بتاريخ 16 يونيو 1965 ان العالم سيعرف مكان جيفارا عندما يرغب جيفارا نفسه فى ذلك..واستمر الحال حتى 3 اكتوبر عندما اظهر كاسترو خطابا غير مؤرخ من جيفارا جاء فيه "فيدل..استأذنك فى الرحيل واستأذن الرفاق واستأذن شعبك الذى صار شعبى..وأقول لكم جميعا: وداعا" وقال "اتنازل عن موقعي فى الحزب والوزارة وعن كل المناصب الرسمية والجنسية الكوبية حتى لا تسبب افعالى حرجا لكوبا..وكل ما يربطنى الان بكوبا هى روابط لا يمكن للرسميات ان تكسرها" وأيضا "بلاد اخرى تحتاج مجهودى البسيط وأتوجه لأقاتل من جديد فى ميادين المعارك من اجل الحرية".وفى نوفمبر 1965 وأثناء حوار مع بعض المراسلين الاجانب سألوا كاسترو اذا كان جيفارا حيا او ميتا..فرد كاسترو "بالطبع هو حي وبافضل حالة ممكنة" نافيا ما تردد حول تخلصه منه ومع كل ما سبق بقى مكانه غير معروف حتى اراد هو فظهر مجددا فى مكان لا يتوقعه احد اطلاقا.
فى قلب افريقيا
الكونغو كينشاسا!! اخر مكان يتخيل احد ان يتواجد فيه مقاتل لاتينى..ولكن المقاتل لم يكن رجلا عاديا..كان تشي جيفارا..اختار تشي ان يساعد الكونغو كينشاسا التى صارت فيما بعد زائير ثم الكونغو الديمقراطية..البلد التى كانت تعانى وقتها من استبداد الشركات البلجيكية وامتصاصها لكل موارد البلد فى مرحلة (ما بعد الاستقلال) وتضرب بعنف كل من يقف امام مصالحها وعلى راس القائمة رئيس الوزراء الشاب باتريس لومومبا الذى تم ربطه بحبل فى سيارة ثم اعدامه فقط لأنه طالب بتأميم موارد اليورانيوم التى تجلب الملايين..ووسط هذا الظلم اختار جيفارا ان يذهب ليساند هذه البلد الواعدة..ذهب جيفارا ومعه عدد من الكوبيين والمرتزقة البيض وبمساندة بعض افراد الجيش الكونغولى منهم (لاورين ديزيريه كابيلا) الذى سيصبح فيما بعد رئيسا للكونغو..والطريف ان جيفارا صرفه من مصاحبته لعدم اقتناعه بأهميته وقال فى مذكراته عنه "لم يفعل شىء يجعلنى اعتقد انه رجل الساعة".ولكن تأتى الرياح دوما بما لا تشتهى السفن..فتكاتف على جيفارا ثلاثة عوامل كانت كافة لإحباط محاولاته..اولها الربو الذى اشتد عليه فى الجو الافريقى وجعله فى اوقات كثيرة غير قادر على القتال..ثانيها المخابرات المركزية الامريكية CIA التى تعاونت مع بلجيكا لرصد تحركاته بشكل دائم وإحباطها..وأخرها وهو الاهم لون بشرته الابيض الذى لم يمكنه من اكتساب ثقة وحب الافارقة كما فعل فى كوبا..ففى كوبا شعر الناس انه شخص منهم مهموم بقضاياهم اما فى الكونغو وبرغم انه كان بالفعل مؤمنا بالقضية الا ان اختلاف الجنس جعله يظهر للمواطنين بصورة المرتزق او (طرزان) الذى جاء ليحرر الزنوج من العبودية..يمكننا القول باختصار ان محاولة جيفارا فى الكونغو قد منيت بالفشل..طالبه زملائه بالمغادرة فطلب من الجرحى والمنسحبين العودة بينما يبقى هو للمواصلة الا انهم اصروا وأقنعوه باستحالة النجاح وبضرورة المغادرة..توقع الجميع عودة جيفارا لكوبا ولكنه رفض لسبب بسيط هو انه (من غير اللائق اخلاقيا) ان يعود بعد الخطاب الذى تركه قبل اختفاءه..فعاش لستة اشهر متنقلا بين دار السلام وبراج وألمانيا الشرقية كتب خلالها مسودتي كتابين احديهما فى الفلسفة والآخر فى الاقتصاد ..وبعد ضغوط مستمرة من كاسترو وافق على العودة لكوبا بشرط ان تكون العودة مؤقتة ليستجمع انفاسه قبل التوجه للقتال فى مكان جديد..وان يكون الامر محاطا بالسرية التامة وهو ما كان.
بوليفيا
خلال عامى 1966 و 1967 استمرت ااصحافة العالمية فى التساؤل عن مكان جيفارا..وكثرت التكهنات عن وجوده فى عدة دول..منها جبهة موزمبيق التحررية FRELIMO التى اعلن مسئوليها انهم التقوا بجيفارا فى اواخر 1966 فى دار السلام فى لقاء عرض فيه مشاركاتهم فى الحركة التحررية ولكنهم (حسب زعمهم) رفضوا عرضه..وفى مايو 1967 وخلال رالى هافانا اعلن الماجور خوان الميدا Juan Almeida قائد القوات المسلحة الكوبية ان جيفارا "يخدم الثورة والتحرر فى مكان ما بامريكا اللاتينية"فيما بعد عرف الجميع ان جيفارا قام بمساعدة العميل السوفيتى الشهير (تانيا) Haydee Tamara Bunke Bider-Tania بشراء قطعة من الادغال الكوبية وتحويلها الى معسكر لتدريب الثوار البوليفيين guerrillas للقيام بحركة تهدف لتخليص بوليفيا من حكم الجنرال رينيه بارينتوس Rene Barrientos الذى ارعبه وجود تشي فى بوليفيا فامر باحضار رأس جيفارا على دراجة تطوف شوارع العاصمة لا باز..وفى 1967 بدأ الثوار البوليفين (وعددهم حوالى 50) عملهم تحت قيادة جيفارا واطلقوا على انفسهم (جيش التحرير القومي البوليفى) Ejercito de Liberacion Nacional de Bolivia وقاموا بعدة عمليات ناجحة فى منطقة جبال كاميرى mountainous Camiri والمميز فى هذه المرحلة هو محاولة جيفارا لاكتساب تأييد الشعب البوليفي بقيامه بعلاج الجنود الذين وقعوا فى الاسر من اعضاء الجيش الحكومي..حتى فى معركة Quebrada del Yuro والتى اصيب فيها بشدة تحامل على نفسه وعرض المساعدة الطبية على الجنود الاسرى..وعلى عكس البداية السعيدة بدأت خطة جيفارا لتحرير بوليفيا فى الفشل تدريجيا لثلاثة عوامل اولها انه افترض انه سيواجه الجيش الحكومي البوليفي ضعيف التدريب والامكانات فقط ولكن الحقيقة ان خوف الولايات المتحدة من المد الشيوعي في امريكا اللاتينية دفعها لامداد الحكومة البوليفية بكم كبير من السلاح بالاضافة الى تدريب الجيوش الحكومية على يد مدربين امريكيين فى معسكرات اعدت خصيصا لهذا الغرض..الخطأ الثاني الذي وقع فيه تشي انه افترض مسانده الجهات الاهلية البوليفية لحركته بينما خذله الحزب الشيوعي البوليفي على ارض الواقع بعدما رفض تأييد حركته (فقد كان الحزب وقائده ماريو مونجي Mario Monje متعاطفا مع الشيوعية السوفيتية على حساب الشيوعية الكوبية)..وعلى الرغم من انشقاق خمسة من اكبر قادة الحزب عن رئيسه واعلانهم الانضمام الى جيفارا..الان ان الموقف الرسمى للحزب ظل معارضا لجيش التحرير..العامل الثالث هو اعتماد جيفارا بشكل كبير على انه سيظل على اتصال بهافانا عن طريق اللاسلكي الذى اتي به خصيصا من كوبا..الا ان فشل رسائل الطرفين فى الوصول لاهدافها جعل جيفارا ورجاله محاصرين داخل بوليفيا في مواجهة الحكومة والاحزاب وورائهم الولايات المتحدة.على الجانب الاخر كلف الجنرال بارينتوس احدى فرق الجيش البوليفي باصطياد جيفارا..فرقة مكونة من 1500 جندى مزودين باحدث الاسلحة ومساندين من قبل المخابرات المركزية الامريكية من اجل القبض على رجل واحد..اخذت الفرقة تضيق الحصار على الثوار بينما يواصل جيفارا كفاحه من اجل الحرية..حتى جاءت الطعنة الغادرة..الخيانة التى اودت بحياة الثائر العظيم..ففى اواخر سبتمبر 1967 قام احد رجال جيفارا ويدعى (رودريجيز) بتسليم نفسه للجيش وعرض ان يدلهم على مكان التشي مقابل الابقاء على حياته..وبالفعل دلهم على مكان الثوار فى قرية (لا هيجورا) La Higuera ..ليتوجه 184 رجلا من رجال بارينتوس ويطبقوا الحصار على جيفارا ومعه 17 من رجاله داخل غابة سيرانو..ورغم التفوق العددى الكاسح لرجال الحكومة الا ان جيفارا ورجاله الاحرار استطاعوا الصمود لاسبوعين كاملين فى ظروف اقل ما يقال عنها انها قاتلة..ولأن الكثرة تغلب الشجاعة..وبسبب الارهاق الشديد والنقص المروع فى المؤن والعتاد..وبعدما اصيب جيفارا اصابات بالغة فى فخديه..تمكن اربعة من رجال الحكومة مساء يوم 8 اكتوبر من تطويقه والقاء القبض عليه فصاح فيهم "لا تطلقوا النار..انا تشي جيفارا..واساوي حيا اكثر مما اساوي ميتا".
اقتاد رجال الحكومة جيفارا الى مدرسة بقرية لا هيجورا ليتحفظوا عليه داخل اسوارها..وبات جيفارا ليلته الاخيرة فيها ملقي على الارض مقيد الايدى خلف ظهره..الرجل الذى كان بامكانه ان يعيش فى قصور كوبا حتى اخر لحظات حياته قضي ليلته الاخيرة مقيدا!!المتعارف عليه دوليا فى مثل هذه الظروف ان يتم اقتياد الاسير الى العاصمة لتتم محاكمته..ولكن الاوامر الامريكية كانت واضحة..جيفارا يجب ان يموت..حتى لا يتحدث فى المحاكمة ويتحول الى بطل شعبي..ويتقدم للمهمة الحقيرة الرقيب ماريو تيران Mario Teran.. يتقدم ممسكا مسدسه ليلقاه جيفارا قائلا "انا اعلم انك هنا لقتلي..انتظر حتى اقف على قدمي..اطلق النار فانك فقط تقتل رجلا".معنى كلمات جيفارا الاخيرة كان واضحا..رسالة موجهة للجميع..بامكان الطغيان ان يقتل رجلا..ولكنه لا يستطيع ان يتغلب على الشعوب المطالبة بحريتها.. لكن تيران لم يفقه المعنى واطلق رصاصاته لتخترق صدر الرجل العظيم منهية حياة قصيرة..لكنها ثرية باعمال قد يحتاج الانسان لقرون كى يفعلها..يحمل رجال الحكومة جثة جيفارا الى مدينة فالي جراند Vallegrande ويقوموا بوضعها فى مستشفى المدينة ويعرضوها للصحافة لالتقاط الصور..الصور التى دخلت تاريخ العالم للشاب الوسيم الذى يحمل وجهه شبح ابتسامة ويبدو وكأنه على وشك الاستيقاظ من نوم مريح..فيما بعد قالوا "كان اكبر خطأ وقع فيه قاتلوه انهم سمحوا بالتقاط الصور له..لقد بدا للعالم كله قريب الشبه من صور المسيح"وبالفعل انتشر بين الاهالى حكاية (مسيح فالى جراند El Cristo de Vallegrande) ويردد الشباب شعار No Lo Vamos a Olvidar (ان نترك ذكراه تنسى)..قطعوا يديه واحتفظوا بهما فى الفورمالين من اجل مطابقة البصمات ثم دفنوا الجثة فى مكان حقير واعلنوا انهم قاموا باحراقها حتى لا يطالب بها اهله او الحكومة الكوبية..اما فيدل كاسترو فقد اعلن الحداد الرسمى لثلاثة ايام حزنا على رفيق كفاحه..بعد ذلك بـ 30 سنة وتحديدا عام 1997 يتم استخراج بقايا الجثة..ويتم تحليل الحامض النووى DNA الخاص بها للتاكد من انها الجثة الحقيقية..ثم تنقل رفاته الى كوبا ومعها رفات ستة من رجاله الى كوبا لتقام لهم جنازة عسكرية مهيبة وتدفن رفاتهم فى نصب تذكارى عملاق يتصدره تمثال جيفارا فى المكان الذى شهد نجاحه الاعظم..فى سانتا كلارا
عاشا عظيما مات عظيما
RépondreSupprimerاين نحن من الروح النظاليه وحب الوطن
مات في سبيل وطن لم يولد فيه و لم يكن
وانما مات في سبيل فكره امنه بها وناظله من اجلها
تشي جيفارا بطل ثائر قتل كما قتل المسيح بسبب خيانة أحد رفقاءه
Supprimerتشي جيفارا بطل ثائر قتل كما قتل المسيح بسبب خيانة أحد رفقاءه
Supprimer