lundi 30 janvier 2012
مصفاة الصخيرة بين الواقع و الخيال
samedi 28 janvier 2012
الثورات العربية بين الإسلاميين والعلمانيين
على هامش الثورات العربية، معظمنا ملّ وسئم المهاترات غير المنتهية بخصوص "العلمانيين" و"الإسلاميين". الشيء المحزن أن الكثير ممن يسمون أنفسهم باليساريين والتقدميين قد امتصهم هذا النقاش تماما وأصبح شغلهم الشاغل وكأنه لب وجوهر الموضوع أو العامل الأساسي الذي سيحدد نتيجة ومصير هذه الثورات!يبدو أن الكثيرين فقدوا البوصلة تماما - أو لم يمتلكوها منذ البداية - وكما يقال في الأدبيات الماركسية أن النظرية هي انتصار البصيرة على الدهشة، يبدو أن الدهشة من مفاجئة الثورات العربية انتصرت على بصيرة الكثير من الرفاق!
بكل بساطة و"من الآخر" يمكن القول بأن الأحزاب الإسلامية والأحزاب العلمانية وجهين لعملة واحدة، أحدهما محافظ وآخر ليبرالي، يمثلان مصالح معسكر واحد، يحميان مصالح نفس الفئة ولا يختلفان كثيرا في الجوهر. المتابع الجدي لهذه الأحزاب لا يمكنه أن يرى أن برامج جميع هذه الأحزاب متشابهة إلى حد كبير سواء كانت محافظة أو ليبرالية، وما فحوى هذه البرامج بالضبط؟ فحواها بالمختصر أنها فارغة تماما لا يوجد فيها أي شيء ذو معنى سوى وعود بإطلاق الحريات السياسية ومحاربة الفساد وأخرى ضبابية بخصوص التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
دعونا نأخذ مثالا عن احد الفائزين بالانتخابات وهو حزب النهضة التونسي كنموذج لسياسات هذه الأحزاب. ما هي خطة العمل الاقتصادية لحزب النهضة؟ لا يوجد أي خطة سوى الاستمرار بنهج بن علي في ما يدعى بسياسة الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات الأجنبية أي بتعبير آخر استمرار ونمو ظروف الفقر والاستغلال والبطالة للسواد الأعظم من أبناء الشعب التونسي الذي ينتمي بأغلبيته إلى الطبقة العاملة أو الطبقات الأخرى ذات الدخل المحدود. ما كان رد الفعل الأول للنهضة بعد الفوز بالانتخابات؟ هرعت النهضة إلى تطمين الامبريالية بأنها ستحمي وترعى الاستثمارات الأجنبية أي باختصار نفس سياسة الانبطاح أمام رأس المال التي اشتهر بها بن علي.
النهضة لم تتوقف هنا بل هرعت لتأكد للداخل والخارج بأنها ستتبع سياسة اجتماعية منفتحة وستحترم الحرية الشخصية للتونسيين. يبدو أن زمن احتكار الأخلاق قد ولّى وأصبح موضة قديمة والأحزاب الإسلامية تسعى جاهدة لإظهار نفسها بمظهر الـ"مودرن". لسان حال النهضة يقول: «في نهاية المطاف أهم شيء احتكار الـ"بزنس"، ما فائدة احتكار الأخلاق إذا كان ذلك غير مفيد أو أصبح عائقا في احتكار الـ"بزنس"!!!» في المحصلة النهضة شأنها شأن باقي الإسلاميين أو الليبراليين هي الممثل السياسي للرأسمالية المحلية والأجنبية، تحمي مصالح الطبقة الرأسمالية وغير معنية بمصالح الطبقة العاملة وعموم الطبقات الكادحة لا من بعيد ولا من قريب. إخوان مصر قيادييهم من كبار الأثرياء والمستثمرين المصريين وهم سائرون على نفس طريق النهضة وسيتبعون ذات السياسات.
إذا ما كل هذه الضجة حول النزاع بين معسكر فصل الدين عن الدولة ومعسكر العودة إلى الإسلام؟ هل الحل السحري لجميع مشاكلنا يكمن في أحد هذين الأمرين؟ لربما أمكننا فهم هذا السؤال بشكل أفضل باللجوء إلى المادية التاريخية التي هي ثمرة تطبيق المذهب الماركسي لدراسة حركة التاريخ. المادية التاريخية تعلمنا أن جميع النظريات والإيديولوجيات وغيرها من القيم والمعتقدات السياسية والاجتماعية والإنسانية لا تخلق في رأس الإنسان من العدم أو تهبط عليه من السماء بل تعكس مرحلة ومستوى معين من تطور المجتمع البشري الذي يعيش فيه وتحديدا التطور الاقتصادي الإنتاجي والتكنولوجي العلمي. وكذلك القوانين والأنظمة القضائية لا يمكن إلا أن تستند لمرحلة تطور المجتمع ولا يمكن فرضها عليه بشكل صناعي. هذه الفكرة تبدو منطقية ومراحل تطور الشعوب تثبتها.
فلنبدأ بالعلمانية. ما هي الظرف التي تبلورت بها؟ العلمانية هي وليدة الثورة البرجوازية في أوروبا وجزء من إيديولوجية الطبقة البرجوازية في تلك الحقبة التاريخية. الثورة الصناعية في أوروبا خلقت ظرفا من التناقض بين نظام الملكية الإقطاعية المتحالف مع الكنيسة الكاثوليكية ومصالح الطبقة البرجوازية الناشئة مما انتهى بقيام الثورات البرجوازية الأوروبية. تطبيق العلمانية كان ضرورة ملحة لهذه الثورات للحد من سلطة الكنيسة السياسية والتخلص من هيمنتها على جزء كبير من الموارد الاقتصادية والأراضي. هذا السيناريو من التطور التاريخي لم يحصل في البلدان العربية حيث فرضت الرأسمالية على هذه الدول من خلال الاستعمار الأوربي فكانت الرأسمالية العربية من نشأتها ضعيفة متكلة على الرأسمالية الغربية ومرتبطة عضويا بالإقطاع والمؤسسة الدينية ولذا لم يكن لها أي مصلحة بتطبيق العلمانية.
تطبيق العلمانية في الدول العربية في الوقت الحالي لن يحل أي من المشاكل الأساسية العالقة وفوائده لا تتجاوز تحرير الفرد جزئيا من سيطرة المؤسسة الدينية. هذا أمر ايجابي بالتأكيد، لكن التحرير الفعلي للإنسان العربي من هيمنة المؤسسة الدينية لا يكون بفرض تشريعات عشوائية، بل يتطلب تنمية اقتصادية وعلمية شاملة للمجتمع لتمكين القاعدة المادية لبناء مجتمع علماني.
ماذا بخصوص العودة إلى الإسلام؟ اعتقد أن هذا السؤال أكثر وضوحا من سابقه. القوانين والتشريعات الإسلامية تعكس حاجات وتطور المجتمع في الحقبة التاريخية التي ظهرت بها وكانت صالحة لإدارة المجتمع في ذلك الحين. أي حزب يتبنى فكرة العودة إلى الإسلام لا يمكننا سوى وصفه بأنه حزب رجعي بالإضافة إلى انه ستكون لديه نفس عقبة الارتباط بالرأسمالية والامبريالية التي لدى الأحزاب الليبرالية.
الأزمة العميقة وحالة الشلل التي يمر بها النظام الرأسمالي على المستوى العالمي والمحلي تجعل من فرص الأحزاب البرجوازية، إسلامية كانت أم ليبرالية، في انجاز إصلاحات وحل المسائل العالقة للمجتمعات العربية شبه معدومة. فلا فصل الدين عن الدولة وإطلاق الحريات الشخصية والملاهي والمراقص من جهة، ولا العودة إلى الفضيلة وإرضاء رب العالمين من خلال الإكثار من الصلاة والدعاء وفصل الشباب عن الفتيات في المدارس والجامعات وتغطية "أفخاذ ولحوم النساء" من جهة أخرى، سيحل مشاكلنا وقضايانا الملحة! الموظف سيستمر بأخذ الرشوة والعامل لن تتحسن إنتاجيته إذا كان معاشه لا يكفيه حتى منتصف الشهر، بغض النظر عن طبيعة الحزب الحاكم! الأمر نفسه ينطلي على الآفات الاجتماعية الأخرى كالدعارة وغيرها.
من هذا المنطلق لا يوجد أي مبرر لحالة التشاؤم التي تسود أوساط اليسار سوى تفوق الذهول والدهشة على البصيرة! الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة تحديدا بمثقفيها وشقيها الليبرالي والإسلامي ومنطقها الوضعي غير قادرة سوى على رؤية المشهد السياسي والاجتماعي الحالي فقط واستنتاج أن هذه الشعوب إسلامية ولا تسير سوى بالدين، أنها هكذا كانت وهكذا دائما ستكون، لذا وجب استغلال هذا الوضع (الإسلاميين) أو محاربته (الليبراليين).... يا للسخافة!! والأسخف من ذلك والمثير للشفقة أن يتبنى اليساريون هذه الرؤية!! لكن لحظة، أليس هؤلاء المثقفين الذين يروجون لهذه النظريات هم نفسهم الذين تبنوا في الماضي بأن الشعوب العربية خانعة وذليلة ومن المستحيل أن تثور!!
أي تحليل بسيط وعلمي لتاريخ الشعوب العربية سيكشف لنا أنها لم تكن هكذا دائما ولن تكون هكذا للأبد. حاضر الشعوب العربية هو مرحلة تاريخية لا أكثر ولا أقل ولا يمكن فهمه وامتلاك رؤية عن أين نحن ذاهبون دون العودة إلى جدلية ماركس وانجلز المادية لفهم الأمور في تطورها وحركتها وليس في عزلتها كأشياء ثابتة لا تتزحزح أو تتغير!
من هنا فإن ظهور وتبلور تيارات شبابية وعمالية مستقلة ذات ميول يسارية تدافع عن مصالحها الطبقية في وجه التيارات السياسية البرجوازية ليس موضوع نقاش بل أمر حتمي ومسألة وقت لا أكثر ولا أقل. الثورات العربية تشكل أرض خصبة جدا لليسار للنمو واكتساب ثقة ودعم الجماهير. لكن مقدار نجاح اليسار متعلق بالتوقف الفوري عن النعي والندب وبدل ذلك الالتفات إلى النشاط السياسي الفعال بين أوساط الشباب والجماهير وبنفس الوقت الانكفاء على الدراسة الجدية للنظرية الماركسية بكل جوانبها وتجاربها السابقة وصياغة برنامج ثوري حقيقي يجسد أحلام الجماهير التي ثارت وناضلت وضحت.
فلنترك مثقفي وأبناء الطبقة الوسطى بحالهم "يتهاترون" عن حجم غطاء الرأس وطول السترات والتنانير فوق الركبة وألبسة البحر في المجتمع العربي الجديد بعد الثورة! ولنلتفت إلى الجماهير الثائرة فمن أعماق مناجم الفوسفات في تونس، مرورا بحقول النفط في أعماق الصحراء في ليبيا، إلى المحلة والسويس في مصر، ومنها إلى اليمن والبحرين ونهاية بدرعا وحمص واللاذقية في سوريا، ملايين العمال والحرفيين، المزارعين والصياديين، ومعهم الآلاف المؤلفة من الشباب المتعلم العاطل عن العمل والتواق إلى مستقبل كريم ينتظرون بفارغ الصبر من يرفع رايتهم ويقدم لهم الأفكار بتواضع وصدق بعيدا عن دجل وتعجرف مثقفي وسياسيي البرجوازية الصغيرة.
لقد استيقظ مارد الجماهير النائم لعقود. برنامج تنموي شامل قائم على الدعم الكامل والمجاني للصحة والتعليم والمواصلات، رفع الأجور وتوفير فرص العمل للجميع، تأمين السكن الرخيص لجيل الشباب وتقديم المساعدات والتسهيلات لمن يرغب بالزواج ومن لديه أطفال، وكذلك تطوير برامج اجتماعية ثقافية تشجع الأدب والرسم والفن، الموسيقى والرياضة، كل هذا لا يمكن تحقيقه على أساس الاقتصاد الرأسمالي المتهالك والغوغائي. تحقيق هذه المطالب يمكن أن يتم فقط بالتخطيط العلمي للاقتصاد وموارد البلاد من خلال الملكية العامة لوسائل الإنتاج والإدارة الديمقراطية للشركات العامة من خلال تطبيق الديمقراطية العمالية أي انتخاب المدراء والمسؤولين ديمقراطيا في أمكنة العمل بحسب إمكاناتهم وكفاءاتهم. مع هذا يأتي دفاع صارم عن حقوق الاعتقاد والعبادة وبنفس الوقت رفض مطلق لأي شكل من أشكال الإكراه الاجتماعي أو الديني وحماية مطلقة لحرية الفرد ذكر كان أم أنثى مع مرونة في صياغة التشريعات والقوانين ومشاركة فعالة للجماهير، من خلال لجان شعبية، في صناعة واختيار القوانين. هذه ما يسمى الاشتراكية يا رفاق.