أزاح الكاتب الصحفى مارك كورتيس الستار عن العلاقة السرية التى ربطت جماعة الإخوان بالإحتلال البريطانى كشف كذلك فى كتابه “التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين” عن اتفاق بريطانيا والمملكة السعودية والإخوان على إغتيال الزعيم جمال عبد الناصر . ويكشف الباحث أن السعوديين، خاصةً بعد وصول الملك فيصل إلى السلطة فى 1964 عملوا مع الإخوان المسلمين على تمويلهم للقيام بعمليات اغتيال كثيرة لعبدالناصر، وانطوت هذه أحيانًا على تجنيد ضباط من القوات الخاصة لعبدالناصر وتهريب السلاح إلى «الجهاز السرى» للإخوان المسلمين، وردًا على زيادة مساندة السعودية للإخوان وغيرهم من المنظمات المتأسلمة، شنت مصر عبدالناصر موجة جديدة من القمع ضد المنظمة، ففى أواخر 1965، كشفت إدارة المخابرات المصرية مؤامرة ضخمة على النظام للقيام بعمليات اغتيال وتفجير قنابل، أسهمت السعودية بدعمها، الكتاب الذى صدرت الترجمة العربية له عن المركز القومى للترجمة، يكشف عن الوثائق الرسمية البريطانية التى رفعت عنها السرية خاصة وثائق الخارجية والمخابرات، و يفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين الإرهابيين دولاً وجماعات وأفرادًا فى أفغانستان، وإيران، والعراق، وليبيا، والبلقان، وسوريا، وإندونيسيا، ومصر وبلدان رابطة الدول المستقلة حديثًا، بل حتى فى نيجيريا التى تآمرت بريطانيا على خلافة سوكوتو فيها أوائل القرن العشرين مع متأسلمين هناك، وذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية.
ويوضح “كورتس” ، وهو صحفى وكاتب ومستشار، عمل زميلاً باحثًا فى المعهد الملكى للشؤون الدولية، ومديرًا لحركة التنمية الدولية ورئيسًا لقسم السياسة فى مؤسسة المعونة بالعمل والمعونة المسيحية، أن بريطانيا كانت ماهرة وماكرة فى التلاعب بكل الأطراف، وأن أكثر من استغلتهم ثم نبذتهم عندما لم يعد لهم جدوى وانتفى الغرض منهم، هم ” التيارات السياسية المتدثرة بالإسلام” كما يصفهم الكاتب بالـــ ” المتأسلمون” ، بدءًا من جماعة الإخوان ، للسعودية، لبن لادن، والشيع الأفغانية، للفرق الإندونيسية.
ويكشف الكتاب من خلال الوثائق أن المصلحة الخاصة كانت هى الأساس فى سياسة بريطانيا الخارجية، وأن المبادئ والقيم ليس لها مكان فيها، وأنها استندت فى ذلك أساسًا لسياسة «فرق تسد»، وتقلبت فى التعامل مع كل الأطراف المتضاربة، ودأبت فى ذلك على تفتيت الحركات القومية ومحاربتها، فاختارت بريطانيا والولايات المتحدة أن تحارب انتشار القومية بدعم الدولة الأشد اتسامًا بالطابع المحافظ فى المنطقة وهى دولة “السعودية، ويوضح الكاتب أنه عندما طرد «عبدالناصر» الإخوان المسلمين من مصر فى حملته للتضييق عليهم فى 1954، وجد كثيرون منهم ملاذًا فى السعودية، بعد أن ساعدت وكالة المخابرات المركزية فى إجلائهم، وسط ترحيب الأسرة الحاكمة السعودية، و عملوا على إدماجهم فى المجتمع السعودى، وارتفع البعض منهم لمناصب النفوذ فى مجال العمل المصرفى والتعليم الإسلامى، وسرعان ما حذا السوريون والعراقيون حذو المصريين فى الهروب من النظم القومية التى استولت على السلطة فى هذه البلدان إبان موجة التضييق، وفى أوروبا أيضًا، بدأ الإخوان المسلمون المنفيون يقيمون شبكات، ويشكلون فرعاً دوليًا فى ميونخ، يديره القيادى الإخوانى «سعيد رمضان».
ويفجر الكاتب مفاجأة كبيرة مدعومة بالوثائق، قائلا إنه بحلول أواخر الخمسينيات، كانت المخابرات المركزية قد بدأت هى أيضًا فى تمويل الإخوان، ويزعم أن الوكالة قامت بإنشاء خلايا دينية صغيرة فى السعودية تعارض القومية العربية بالاشتراك مع شركة أرامكو الأمريكية للنفط والسلطات السعودية.
وفى تجميع لأحداث تلك السنوات، كتب ويلى موريس وهو سفير فى السعودية مؤخرًا، أنه «فى نحو 1956 واتت الرئيس إيزنهاور واحدة من أفكاره السياسية النادرة، وظن أن الملك سعود يمكن تنصيبه تطبيقًا للقول «مثلما تكونون يولى عليكم» على العالم الإسلامى لمنافسة عبدالناصر فى مصر، وبالمثل كتب «إيزنهاور» فى مذكراته، قائلاً: هناك عامل أساسى فى المشكلة وهو نمو طموح عبدالناصر، والإحساس بالقوة التى اكتسبها من ارتباطه بالسوفيت، واعتقاده أنه يستطيع أن يبزغ قائدًا حقيقيًا للعالم العربى بأسره، ولدحر أى حركة فى هذا الاتجاه نريد تقصى إمكانية إقامة الملك سعود كثقل موازن لعبد الناصر، فإن السعودية بلد يضم الأماكن المقدسة للعالم الإسلامى، والسعوديون يعتبرون أشد العرب تدينًا، ومن ثم، فإن الملك ربما كان يمكن تنصيبه زعيمًا روحيًا، وبمجرد إنجاز ذلك نستطيع البدء فى المطالبة بحقه فى القيادة السياسية.
وبحلول أواخر الخمسينيات، كان البريطانيون قد روضوا أنفسهم وقبلوا صعود قوة السعودية الذى تدعمه الولايات المتحدة، وذلك بعدما شهدت العلاقة بينهما تدهورًا دبلوماسيًا بسبب النزاع الأنجلو سعودى على واحة البريمى، التى تقع فى منطقة غير محددة الحدود كانت تطالب بها عمان وأبوظبى والسعودية، وبعد ذلك أدرك البريطانيون أنه لم يكن لدى لندن خيار آخر، ومن ثم أصبحوا مدركين لجدوى استخدام السعوديين نيابة عن الإنجليز والأمريكيين فى العمليات السرية فى المنطقة. وفى عام 1958 انتشر ادعاء بأن السعوديين رشوا ضباطًا فى الجيش السورى بما يصل إلى مليونى جنيه إسترلينى لإسقاط طائرة عبدالناصر بقصفها وهو فى طريقه إلى دمشق، وقد افتضحت المؤامرة ولوح عبدالناصر فيما بعد بالشيك الخاص بذلك أمام وسائل الإعلام، وحسبما يقول محمد حسين هيكل، مستشار الرئيس عبدالناصر، فإن السعوديين دفعوا أيضًا لحسين ملك الأردن خمسة ملايين إسترلينى فى 1961 لتمويل مؤامرة بدوية لاغتيال عبدالناصر فى دمشق، وليس من المعروف ما إذا كانت لندن أو واشنطن متورطة فى هاتين المؤامرتين، لكن لا ريب أنهما رحبتا بهما.
ويكشف الباحث أن السعوديين، خاصةً بعد وصول الملك فيصل إلى السلطة فى 1964 عملوا مع الإخوان المسلمين على تمويلهم للقيام بعمليات اغتيال كثيرة لعبدالناصر، وانطوت هذه أحيانًا على تجنيد ضباط من القوات الخاصة لعبدالناصر وتهريب السلاح إلى «الجهاز السرى» للإخوان المسلمين، وردًا على زيادة مساندة السعودية للإخوان وغيرهم من المنظمات المتأسلمة، شنت مصر عبدالناصر موجة جديدة من القمع ضد المنظمة، ففى أواخر 1965، كشفت إدارة المخابرات المصرية مؤامرة ضخمة على النظام للقيام بعمليات اغتيال وتفجير قنابل، أسهمت السعودية بدعمها، وأعقب ذلك مطاردات للإخوان المسلمين وتضييق عليهم قامت بها قوات الأمن، وبعد محاكمة المتآمرين المزعومين فى ديسمبر 1965 حكم على سعيد رمضان بالأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة، وحكم على عدد من قادة الإخوان المسلمين بالإعدام، وتم شنقهم فى العام التالى، وكان من بينهم سيد قطب، الذى وفر كتابه “معالم على الطريق” الذى كتب فى السجن، بيانًا رسميًا بأهداف الأنشطة السياسية للإخوان، كما أصبح متنًا أساسيًا ألهم فيما بعد أيمن الظواهرى، نائب أسامة بن لادن، فى تنظيم القاعدة، والذى كان قد انضم للإخوان المسلمين فى مصر وهو فى سن الرابعة عشرة من عمره فى ذلك الوقت، وفيما بعد كتب الظواهرى أن دعوة سيد قطب للإخلاص لوحدانية الله والتسليم بسلطانه وحده وسيادته كانت هى الشرارة التى وحدت الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام فى الداخل والخارج. وبعد أن أجبر الإخوان المسلمون على العمل السرى تحت الأرض، لم يعاودوا الظهور مرة ثانية إلا بعد وفاة عبدالناصر فى 1970. وكانت بريطانيا لا تزال تخشى من أن تتمكن مصر عبدالناصر من توحيد العالم العربى– أو على الأقل جزء كبير منه– ضد بريطانيا، وفى ضوء ذلك استمر المخططون البريطانيون يكنون الرغبة فى إزاحة عبدالناصر من المنطقة، وبحثوا إمكان التدخل العسكرى المباشر فى مصر، بيد أنهم فى نهاية المطاف، استبعدوا الأمرين معاً، حيث إنه ليس هناك مبرر كبير للاعتقاد بأن خليفة عبدالناصر سيكون أكثر اعتدالاً وأكثر إذعانًا للنفوذ الغربى، كما تم رفض التدخل العسكرى، حيث إنه سيثير اضطرابًا ويزيد التسلل الشيوعى فى المنطقة؛ وإضافة لذلك، لا يستطيع أحد أن يطبق سياسة للشرق الأوسط تتعارض على نحو جامد مع سياسة الأمريكيين وهم لن يوافقوا على أى من هذين المسارين، وخلصت وزارة الخارجية فى سبتمبر 1965 إلى أنه يتعين علينا أن نتعايش مع نظام عبدالناصر.
ويوضح الباحث أن بريطانيا قد دعمت سياسة السعودية الإسلامية الخارجية، ففى عام 1965 كان مورجان مان، السفير البريطانى فى السعودية مقتنعاً بأنه فى مواجهة مع عبدالناصر، كان على النظام أن يعزز مكانته على المسرح العالمى، وكتب آنذاك يقول «إن فيصل يحاول استخدام الإسلام مغناطسيًا مضادًا لموضوع الوحدة العربية الذى طرحه عبدالناصر، وأنه يأمل فى إقامة كتلة إسلامية تسحب تدريجيًا قسمًا كبيرًا من الذين احتشدوا أفواجًا حول راية عبدالناصر، وهو ما أيده المسؤولون البريطانيون، وأولت بريطانيا مساندة غير مشروطة للحكام السعوديين، وتمثلت سياستها فى الحفاظ على بقاء النظام الحالى فى السعودية فى السلطة؛ لأن الحفاظ عليه مهم للمصالح الغربية فى الشرق الأوسط، كما كتب السفير كرو، سفير بريطانيا لدى السعودية، فى رسالته الأخيرة فى أكتوبر 1964.