مرّت سنين من دون كتابة..من دون ذلك الدّاء الجميل الذي يحصّنها من المهاترات...كان يتملّكها فجأة...في أيّ وقت وفي أيّ لحظة ..حيث عالمها ...كما رسمته ..من دون أصوات..لكنّها للأسف تخلّصت منه باستعمال شتّى المضادات البيوحياتيّة..
متى يعرفون أنّ العوالم الأخرى لم تعد تعنيها ..وأنّ رأسها أصبح معلّقا هناك.. فيه ومنه وإليه ..تشكوه وتمدحه..تترجّاه..أو حتّى تصرخ في وجهه..فهو في الأوّل و في الآخر قلمها ..يصدقها وتصدقه..وأيضا..تواجهه.
أضداد كثيرة تقتل فينا حبّ الإبداع..كيف لا والظّلم أصبح عدلا..والصّدق بدعة وخيال..والنّفاق مجاملة..والتّفاني جريمة..والعبوديّة حياة ..والسّرقة حقّ وشرف..و الحرّية جنون..و..القمع مشروع..والعدل كفر..
والغريب أنّ أسباب النّفور هي نفسها دوافع للهروب لهذا القلم..وأنت تجد الثّورة ..ثورة الفقير والمهمّش والبطّال والمعدم تُفرغ من محتوياتها..بل الأمر..أتعس من ذلك..حين نجد هذا الشّعب الذّي فُقّر من سنين جرّاء الرأسمالية المتوحّشة.. تُسرق منه أنّاته واحتجاجاته ورفضه..
ثمّ هؤلاء الجرحى أهدوا لنا الوطن..فتلقّوا الإهمال والتعذيب والمهانة..ألا من منقذ لمن وهبونا الحرّية والكرامة؟
فالكلّ لبس قناع الحرّية والنّضال ..في حين أنّ الوطن أصبح يُباع بالرّخيص..وإنسانيّة الفرد وقع سلبها..باسم العولمة ..باسم السّياسة..باسم كلّ شيء حتّى تتّسع الهوّة بين من يملك كلّ شيء ومن يملك اللاشيء..
...
ثمّ هذه المطالب الشّعبيّة التي تنادي حقّها في الحياة؟ كيف يتحقّق هذا الحقّ..هل بالتّخلي عن الأنانيّة والرّبح السّهل أم يصبح الحلّ أن يفتكّ الجائع حقّه..والبطّال عمله..والمريض دواءه..
هل هذا ممكن في ظلّ هذا الرّبح السّهل حيث السّموم مزروعة في كلّ مكان..هل هذا ممكن والفرد أصبح يدخل للتّسوّق فيصاب بحيرة..ماذا يأكل ..هل ممكن أن يجد غلال أو خضار غير مسكونة بالهرمونات ؟ وإن نجى من ذلك ألن تتلقّاه ا لأمطار الحمضيّة الملوّثة.., ؟..
والأدهى والأمرّ أن يُصبح كلّ شيء بنفس الطّعم..أي بلا طعم..
أيضا... هل يمكن أن أن تزور الجزّار أو بائع الحوت والدّجاج وأنت في أمان واطمئنان أنّك لم تُزّود الأمانة التي وهبها لك الله ثمارا كلّها حقد وجشع...
طال نظرها للخارج من وراء النّافذة..حيث الرّؤيا تبدو أجمل..هل أخطأت الطّريق من الوهلة الأولى ؟..هل كان
بالإمكان تفادي ما كان وتجنّب كلّ هذا..؟ لوتحرّت جيّدا العنوان والإتّجاه؟
أهذا رسمُها..؟ أن تُسجن وتفقد المعنى الحقيقي لاسمها ؟ أن لا ترى عيناها المنهاج ...كما في ذاتها؟..أشجارا كثيفة ..منظّمة وأنيقة..وهي تسبح في شلّالات المياه الصّافية..النّاطقة..حرّية..وحبلى بالحياة تعانق الحياة..بعيدا عن كلّ التّشوّهات التي تركتها وراءها..لتجدها أمامها..
متى يفهمون أنّ عالمها..أصبح غير هذا العالم ..وأنّ طموحها تعدّى ذلك المكان ...وأنّ إتقانها تربّت عليه..وأنّ همّتها تتعلّق بابتسامات صافية لا تودّ أن تخسرها ؟ ولا أن تتكدّر...في هذا الزّمن الملتفّ بملايات الأسرار ..والغموض الدّامي..الذي لا ولم ولن تألفه نفسها..
صوت صديقها الغريب..الإعلامي الفرنسي التّونسي..يأتي قائلا:
ـ هل نمت؟
ـ يبدو ذلك..